إرث شهر يونيو
البرازيل: إضرابات، إحتلالات، إحتجاجات في الشوارع، مطالب ديمقراطية ثم القمع...
13/11/2013
* دانيال ماتوس :عضو قيادة الرابطة من أجل إستراتيجية ثورية ، الفرع البرازيلي الفرع البرازيلي للأممية الرابعة ـ الفصيل التروتسكي LER-QI
في سياق ظرفية وطنية تتميز بتنامي دينامية الإضرابات التي بدأت تخرج عن "السيناريو" المعتاد و ببروز المطالب الديمقراطية بشكل أعمق في البلاد، و رغم محدودية نطاقها بالمقارنة ما عرفه العمل الجماهيري في شهر يونيو، فقد شهد يوم 15 أكتوبر، الذي يتوافق مع عطلة يوم المعلم، مظاهرات إحتجاجية منسقة لشباب و عمال قطاع التعليم في 15 مدينة مهمة من مدن البلاد، رافقتها مواجهات عنيفة مع قوات الأمن خاصة في مدينتي ساو باولو و ريو دي جانيرو، و التي كان أهم الشعارات التي رفعت فيها التضامن مع الإضراب البطولي لمعلمي ريو دي جانيرو.
و قد سبق أن عرف يوم 07 شتنبر، الموافق لتاريخ إستقلال البلاد المزعوم ، مظاهرات إحتجاجية في عشرات المدن و التي تعرضت لقمع شرس من طرف الطبقات المهيمنة، من خلال مطاردة و تجريم و إضطهاد القطاعات الطليعية لكسر إرادة المجموعات الأكثر كفاحية و التي إستمرت في نشاطها ما بعد شهر يونيو، و التي من بينها عدد كبير يعبر عن نفسه من خلال الظاهرة المتنامية المعروفة ب"بلاك بلوك"، العاكسة لمزاج قطاعات متجذرة من الشباب الذي يلجأ إلى تفريغ سخطه ضد قوات الأمن و من خلال تخريب رموز السلطة العمومية و الخاصة.
و قد كان لسلوك الحكومات و وسائل الإعلام الكبيرة نتائج معكوسة تمثلت في تقسيم المجتمع، و الدفع بقطاعات واسعة منه لدعم ما يعرف ب"المقنّعين" (1).
لكن الحقيقة هو أن كل المناسبات الوطنية الكبرى قد تحولت ، بعد شهر يونيو، إلى فرص لتنسيق الفعاليات الإحتجاجية بعد أن كانت مجرد إحتفالات فارغة من أي محتوى.
و قد كانت الإضرابات الوطنية الأخيرة لعمال البريد و الأبناك بمثابة معركة كسر العظم مع الباطرونا التي حاولت تحويلها إلى رمز لتخفيض الزيادة في الأجور و لكي يتحمل العمال أعباء التضخم. هكذا قرر سبعة آلاف عامل من قطاع المعادن بسكانيا في أحد المجالس، الذي لم يعرف له نظير منذ زمن طويل، و ضد إرادة البيروقراطية النقابية، توقيف العمل في المعمل و منع الباطرونا من تخفيض أرباحهم. من جهة أخرى رافقت مفاوضات عمال النفط حول الأجور إضرابات عن العمل لعدة ايام ضد خصخصة أبار ما يعرف بنفط "ما قبل الملح"، و التي شرعت الرئيسة ديلما ببيعها بأثمان زهيدة إلى جانب موارد وطنية رئيسية لكبريات الإحتكارات العالمية. إنه إرث شهر يونيو.
في غضون ذلك، يشكل إضراب معلمي ريو دي جانيرو النزاع الرئيسي الذي تحول إلى قضية سياسية وطنية، و هم الذين إستطاعوا تنظيم مجالس حضرها 10 آلاف عامل (من قطاع يضم 40 ألف)، و حراكات شارك فيها عشرات الآلاف من جديد في شوارع المدينة، مرفوقة بإستيلاءات على هيئات حكومية، و بمواجهات لقمع جد شرس.
و قد حمل إضراب المعلمين في ريو دي جانيرو أهم مستجد تمثل في تقاطع قطاع من العمال مع روح "البلاك بلوك" في فعاليات نضالية بالشارع، و هو ما يرمز إلى تحقيق خطوة كبيرة في بناء تحالف الشباب الذي خرج إلى الشوارع في شهر يونيو مع الطبقة العاملة المنظمة.
و إلى جانب هذا الإضراب هناك إضراب معلمي غوانييا الذين إستولوا على مجلس بلدية المدينة. لكن هذا الإضراب البطولي يسير نحو المأزق، رغم جهود عمال القطاع و الدعم الهائل الذي حظي به، و ذلك بسبب الإجراءات الهجومية على الإضراب من طرف حكومة بايس و كبرال، و التي تمثلت في التهديد بتسريح 4 آلاف عامل و في قمع المتظاهرين بحيث وصل عدد المعتقلين إلى 201 معتقلا يوم 15 أكتوبر.
و ليس من باب الصدفة أن يأخذ إضراب المعلمين بعدا هاما كنزاع وطني، كونه مس أحد المطالب الرئيسية التي برزت بعد إحتجاجات شهر يونيو، و يتعلق الأمر بالحق في التعليم في بلد تقصي فيه الجامعات العمومية الفقراء و السود الذين يشكلون الأغلبية الساحقة، و تعتبر فيه المدارس بمثابة سجون تسيئ معاملة المعلمين و الطلبة على السواء، و تحتقرهم.
و إلى جانب التعليم، برزت مطالب ديمقراطية مهمة مرتبطة بمشاكل البلاد الهيكلية كما هو الشأن بالنسبة للعنف الإجتماعي الذي تمارسه قوات الأمن و الذي تحول إلى قضية وطنية منذ إختفاء أماريلدو في حي روسينها الفقير، و هم عامل بناء أسود يرمز إلى العمال و المواطنين السود الذين يتعرضون للإغتيال يوميا في الأحياء المهمشة.
بدورها تستمر حركات من أجل السكن في إستيلاءاتها و نضالها؛ و تواصل الشعوب الأصلية في قيادة حراكات مهمة ضد عمليات القتل التي تستهدفها من قبل كبار ملاكي الأراضي بتواطؤ مع الدولة و ضد القوانين التي تستهدف حرمانها من أراضيها لصالح الأعمال التجارية الزراعية؛ فضلا عن الدور المتنامي للنساء و السود في سيرورات إعادة تنظيم القطاعات الطليعية.
و المفارقة هي أنه بتزامن مع هذه الإضرابات و الإستيلاءات و النضالات الديمقراطية، فإن الرئيسة ديلما المدعومة بهامش المناورة الذي تمنحه إياها الظروف الإقتصادية (و التي بالرغم من دينامية التدهور التي تعرفها فإنها تتميز بإنخفاض تاريخي لمؤشرات البطالة، مما يساعد على نهج إجراءات جزئية عرضية و تجميلية لفتح "حوار" في حده الأدنى حول مطالب يونيو)، و المدعومة كذلك بضعف أحزاب المعارضة، قد إستطاعت إستعادة شعبيتها في إستطلاعات الرأي.
و يعد تصويت الجمعية الوطنية لصالح الإبقاء على الولاية البرلمانية للنائب المحكوم عليه قضائيا بالسجن مضافا إلى التأجيل التي عرفتها محاكمة "المينصالاو" (Mensalão ) (و المتعلقة بفضيحة دفع رشاوي شهرية في البرلمان و التي لطخت حكومة الرئيس لولا سنة 2005) في المحكمة الفدرالية العليا، تعبيرا دقيقا عن إستعداد الطبقة الطفيلية الحاكمة لوضع موازين القوى على المحك بغية الحفاظ على مصالحها، و في الوقت نفسه كدليل على التدهور المتزايد لمصداقية مؤسسات النظام.
و في هذا السياق الوطني يندرج الإضراب الواسع، المرفوق بالإستيلاءات، لطلبة جامعتي صاوباولو و كامبيناس، ضد هياكل الإدارة الرجعية في الحالة الأولى و ضد إدخال قوات الأمن للجامعة في الحالة الثانية.
وقد نظم الطلبة بريو دي جانيرو يوم 07 أكتوبر مظاهرات تمهيدية للتضامن مع المعلمين، و التي إنتهت بمواجهات عنيفة مع البلاك بلوك. و يومها أعلن حاكم المدينة جيرالدو أنه سيشدد من قبضة القمع.و ذلك ما حدث يوم 15 أكتوبر عندما تم قمع الألفين طالب الذين إحتلوا الشارع الرئيسي بساو باولو، و هو ما خلف عددا من الجرحى و 56 معتقلا.
يتعين إطلاق معركة وطنية من أجل التعليم بتنسيق مع القطاعات المكافحة. إذ إن الرفض الأخير للقضاء بتنفيذ طلب إسترجاع عمادة جامعة صان باولو مانحا أجلا من 60 يوم للطلاب للإبقاء على إحتلالهم، لهو دليل على أن موازين القوى تشجع على تعزيز الإضراب و توسيع قاعدته.
و نحن في الرابطة من أجل إستراتيجية ثورية ، و من خلال نشاطنا كجزء من المجموعة الشبابية " شباب الشوارع" و كفصيل أقلوي في نقابة عمال جامعة ساو باولو، ناضلنا من أجل تجذير المطالب الديمقراطية لإضراب الطلبة في جامعتي ساو باولو و كامبيناس، من جهة، و ذلك عبر تنظيم مجلس حر مستقل و ديمقراطي مستند إلى قوة التعبئة يشارك فيه ممثلو المنظمات النقابية و الشعبية و الحركات الإجتماعية، و من جهة أخرى ، ناضلنا من أجل ربط دمقرطة هياكل إدارة الجامعة بدمقرطة ولوجها و دمقرطة المعرفة المنتجة فيها. و قد ناضلنا في هذا الصدد من أجل أن يدعو الطلبة المضربون في الجامعتين إلى يوم إحتجاجي وطني للدفاع عن التعليم، يخرج عشرات و مئات الآلاف إلى الشوارع، و نحن نعمل في هذا الإطار لكي يحتل برنامج إنهاء مباراة ولوج الجامعة مكان الصدارة و تأميم كل النظام التعليمي الخاص في مستوياته المختلفة لتأمين تعليم مجاني و جيد للجميع و ولوج حر و مباشر للتعليم العالي، و رصد موارد إضافية للتعليم من خلال عدم أداء الدين العمومي و فرض ضرائب تصاعدية على طبقة الرأسماليين.
قد لا تكن المظاهرات الجارية قد إكتسبت الطابع الذي إكتسبته في شهر يونيو، إلا أنها في المقابل قد تمتعت بمزية التنظيم على أساس هياكل إجتماعية للعمال و الشباب، و هو ما يؤهلها لبناء تنسيق ديمقراطي للقطاعات المناضلة في أفق توحيد مطالبها و عملها، و هو ما يجب أن يتجسد اليوم في تقاطع نضال طلبة الجامعات العمومية بصاو باولو و نضال المعلمين في ريو دي جانيرو في مستوى أعلى مما سبق أن أحصل في إحتجاجات يومي 07 و 15 أكتوبر.
و قد كافحنا من أجل أن تعتمد قيادة إضراب جامعة ساو باولو ، و التي أصبحت تتشكل من مندوبين منتخبين في مجالس قاعدية، خط المواجهة المناسب لهذه المهمة، و التي يتعين أن تضمن ضمن أهدافها الرئيسية إعطاء بعد وطني لحملة قوية ضد القمع الذي يتعرض له المناضلون من أجل إطلاق سراح كل المعتقلين السياسيين.
و مقابل الدعوة الجديدة لحركة التذكرة المجانية إلى تنظيم يوم إحتجاجي يوم 25 أكتوبر من أجل النقل المجاني، نحن ندافع عن تحويل هذا اليوم إلى يوم وطني للنقل و التعليم المجانيين و الجيدين و الذي تشارك فيه كل القطاعات المناضلة بغية إخراج مئات الآلاف إلى الشوارع مرة أخرى.
(1) تدافع بقوة الرابطة من أجل إستراتيجية ثورية – الأممية الرابعةLER-QI عن البلاك بلوك ضد قمع الدولة و إضطهادها، و تعد معركتنا هذه إحدى أهم الحملات السياسية التي ننجز في كل مكان نناضل فيه ضد القمع الذي تتعرض له الحركات الإجتماعية و القطاعات الطليعية. و كلما سعت منظمات اليسار التكيف مع سياق الإنتخابات و مع العمل النقابي من دون تقديمها لبديل ثوري يدفع بمعاقل الطبقة العاملة إلى مركز المشهد السياسي عبر وسائلها الكفاحية الخاصة بها، فإنه من الطبيعي أن يسعى الشباب إلى توجيه سخطه ضد رموز السلطة الرأسمالية عبر أشكل فوضوية. في غضون ذلك ندعو البلاك بلوك إلى النقاش الديمقراطي، بإعتباره جزء من الحركة، لتحديد التكتيكات و الإستراتيجيات الملائمة لربط القطاعات الطليعية بآلاف العمال و الفقراء ممن لا يشاركون في حراكات الشارع بالرغم من دعمهم القوي لفعاليات شهر يونيو. و في هذا الصدد فإننا نختلف عن تيارات اليسار من قبيل حزب العمال الإشتراكي الموحدPSTU و حزب الإشتراكية و الحريةPSOL، التي تختار صف الطبقات المهيمنة بطرحها وضع الحواجز بينها و بين البلاك بلوك.